حين تصبح الخصوصية سلعة: قراءة نقدية في رواية (حي بشهادة وفاة) لعبدالإله بن فهد الشايع

ارسل رداً 329374433
لا شك أن السرد القصصي يشكّل أحد أصدق المرايا التي تعكس الواقع، لكن بين الصدق الفني وتجاوز حدود الخصوصية خيط رفيع قد ينقطع بسهولة حين يُساء استخدامه. وفي روايته “حي بشهادة وفاة”، قرر الكاتب عبدالإله بن فهد الشايع أن يخوض مغامرة حكايات العائلة والحي والمجتمع، في رواية قد تبدو للوهلة الأولى توثيقًا وجدانيًا لطفولة عاشها أو سمع بها، لكنها في العمق تطرح إشكاليات أخلاقية واجتماعية لا يمكن تجاوزها.

أولاً: ما لا يُقال لا يُكتب

في أحد تصريحاته المرتبطة بالرواية، أشار الشايع إلى أن “بعض القصص المفترض ألا تخرج من إطار العائلة”، وهو تصريح يتناقض مباشرة مع ما فعلَه في الرواية نفسها؛ إذ نقل حكايات وشهادات، بعضها – بحسب الوصف – يمس العائلة أو الدائرة الاجتماعية الصغيرة، ونقلها إلى مساحة عامة يقرأها الغريب قبل القريب. فما الذي دفعه إلى هذا التناقض؟ هل هو شغف الرواية؟ أم سعي للانتشار على حساب ما اعتاد عليه المجتمع من التحفظ والخصوصية؟

ثانيًا: الرواية كـ “منبر فضح” أم “منصة سرد”؟
ارسل رداً 313060815
الرواية الجيدة لا تُقاس بعدد القصص الصادمة، بل بعمق معالجتها، ومقدار ما تُثيره من تساؤلات إنسانية. لكن في “حي بشهادة وفاة”، بدا أن الرغبة في “الاعتراف” والتفريغ النفسي غلبت على البناء الفني، وكأن الرواية لم تكن سوى وسيلة لتمرير حكايات محرجة أو شخصية. بعض المقاطع بدت وكأنها مقتطعة من جلسة “فضفضة” عائلية أكثر منها نسيج أدبي ناضج.

ثالثًا: من يمثل من؟ وهل لنا الحق أن نحكي عنهم؟

حين يكتب الكاتب عن أشخاص حقيقيين أو قصص يعرف أنها ستعرّف بها عائلات أو أفراد بعينهم، دون موافقتهم، فهو لا يمارس الكتابة بقدر ما يمارس استغلالًا عاطفيًا مقنّعًا. القصص التي تُروى دون إذن أصحابها تتحول من عمل فني إلى “تسريب اجتماعي”، حتى لو غُلّفت بجماليات اللغة. والكاتب هنا مطالب أن يوازن بين الحرية الإبداعية والالتزام الأخلاقي.

رابعًا: غياب المساءلة الذاتية

كان من الأجدر بالكاتب أن يُمارس مساءلة ذاتية أكثر عمقًا: لماذا أكتب هذه القصة؟ لمن؟ وهل ما أكتبه يحق لي وحدي؟ لكن يبدو أن الرواية اتخذت منحى شخصيًا إلى حد كبير، حتى كأنها رسالة موجّهة لدوائر معينة، وليست عملاً أدبيًا يستهدف القارئ العام.
رواية “حي بشهادة وفاة” تطرح أسئلة أكثر مما تجيب، ليس على المستوى الأدبي فقط، بل الأخلاقي والاجتماعي أيضًا. فبين الرغبة في التوثيق والجرأة في الطرح، يبرز سؤال جوهري: هل كل ما يُعرف يُقال؟

وربما، في زمن يسهل فيه تحوّل الخصوصيات إلى محتوى، نحتاج إلى كتّاب يعرفون متى يكتبون، ولكن – والأهم – متى لا يكتبون.

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15

Comments on “حين تصبح الخصوصية سلعة: قراءة نقدية في رواية (حي بشهادة وفاة) لعبدالإله بن فهد الشايع”

Leave a Reply

Gravatar